الحد الشرقي للمسعى
من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة الملك سعود
كتب البحث بتاريخ 12/5/1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحد الشرقي للمسعى
من
عهد النبي صلى الله عليه وسلم
إلى
توسعة الملك سعود
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فقد صدرت كثير من الفتاوى الشرعية حول
حكم التوسعة الجديدة للمسعى ،
وحكم السعي في المسعى الجديد ،
وقد كان كثير من تلك الفتاوى – المؤيدة والمعارضة – يعتمد على تصور وضع المسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة الملك سعود – ضيقاً واتساعاً - ،
وامتداد الجبلين
:
الصفا والمروة من الجهة الشرقية
،
بعد التسليم بأن موضع السعي الشرعي هو ما كان بين الجبلين .
لذلك
فقد رأيت أن من المفيد تكوين تصور عن ذلك ،
يربط الماضي بالحاضر ،
ويعتمد على ما كتبه المؤرخون الذين رأوا المشاعر فوصفوا ما شاهدوا وصفاً دقيقاً ،
بل قاسوا كثيراً من الأطوال والمسافات .
وقد ظهر لي أنه لا توجد فجوات تاريخية ،
تجعلنا نبني تصورنا عن المسعى
على
احتمالات عقلية ، وتقديرات نظرية ،
فقد بذل المؤرخون في ذلك جهداً عظيماً ،
وقد سَلَّم لهم فقهاءُ الشريعة بذلك قديماً وحديثاً ،
واعتمدوا كلامهم ، وبنوا عليه أحكامهم .
ومن أقدم المراجع في ذلك
" أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار"
لأبي الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي ،
ثم
" أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه "
لأبي عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي.
ثم تتابع المؤرخون ،
ينقلون عمن سبقهم ، ويضيفون ما شاهدوه بأنفسهم .
وسأعتمد في بحثي هذا على كتاب الأزرقي ،
إلا أن أجد إضافة مهمة عند غيره.
[[]]
أولاً
:
الحد الشرقي للمسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ
#
قال البخاري في صحيحه (الفتح 3/501) :
" وقال ابن عمر رضي الله عنهما
:
السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين " .
قال ابن حجر (الفتح 3/502) :
" وصله الفاكهي من طريق ابن جريج
أخبرني نافع قال : نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى ، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار قرظة ...إلخ " .
قال ابن حجر
:
" وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة
لكونه مفسراً لحد السعي ،
والمراد به
شِدَّةُ المشي ،
وإن كان جميع ذلك يسمى سعياً "
.
وهذا النص مهم جداً
في تحديد الحدين الشرقي والغربي للمسعى ،
فقد كانت عليه معالم ظاهرة
وهي
:
#
1- دار بني عباد ،
ومنها يبدأ السعي الشديد للقادم من الصفا إلى المروة ،
وهي في الجزء الشرقي من المسعى .
وقد بقيت هذه الدار على حالها
إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ كما سيأتي تفصيل ذلك .
# #
2- دار بني أبي حسين ودار بنت قرَظَة
،
وبينهما ينتهي السعي الشديد
،
وهما في الجهة الغربية من المسعى.
وقد هدمتا في توسعة المهدي الأولى عام 160 هـ
حيث
"اشترى
جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور ،
فهدمها ،
ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم شارعاً على المسعى"
كما نقل ذلك الأزرقي(2/71)
.
و
قال الأزرقي
- وهو يتحدث عن رباع بني نوفل بن عبد مناف-
-
(2/243)
:
" وكانت لهم أيضاَ دار دخلت في المسجد الحرام ،
يقال لها : دار بنت قرَظَة ".
وقال (2/243)
:
" ولهم دار ابن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل
دخلت في المسجد الحرام ".
وقد وصف الأزرقي بيوت مكة المحيطة بالمسجد الحرام من جميع جوانبه،
وما حصل لها من تغييرات إلى عهده ،
وصفاً دقيقا ، وكذلك الدور التي تقع شرق المسعى .
[[]] [[]]
ثانياً
:
الحد الشرقي للمسعى من بعد توسعة المهدي الثانية
عام 167هـ إلى توسعة الملك سعود
قال الأزرقي في " أخبار مكة " (2/ 75-77)
:
" قال جَدِّي :
لما بنى المهدي المسجد الحرام ، وزاد الزيادة الأولى ،
اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة الشامي
،
وضاق شقه اليماني الذي يلي الوادي والصفا
، وكانت الكعبة في شق المسجد
،
وذلك أن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم .
قال
:
وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم ،
إنما كان موضعه دور الناس ،
وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ،
ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت
فيما بين الوادي والصفا ،
وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم ،
وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم ،
عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي ،
فيها علم المسعى ،
وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم .
@@######@@
قال أبو الوليد
:
فلما حج المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة
،
ورأى الكعبة في شق من المسجد الحرام ،
كره ذلك ،
وأحب أن تكون متوسطة في المسجد ،
فدعا المهندسين ، فشاورهم في ذلك ، فقدروا ذلك ،
فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل ،
وقالوا
:
إن وادي مكة له أسيال عارمة ، وهو واد حَدور ، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد ، مع أن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤونة ، ولعله أن لا يتم ،
فقال المهدي
:
لا بد لي من أن أوسعه ،
حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال ،
ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال
.
وعظمت في ذلك نيته
،
واشتدت رغبته ،
ولهج بعمله ، فكان من أكبر همه .
فقدروا ذلك ، وهو حاضر ،
ونصبت الرماح على الدور ، من أول موضع الوادي إلى آخره ، ثم ذرعوه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك ، وما يكون للوادي فيه منه ،
فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي ، وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك ، وزنوه مرة بعد مرة ، وقدروا ذلك
.
ثم خرج المهدي إلى العراق
وخلف الأموال ، فاشتروا من الناس دورهم ،
فكان ثمن كل ما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين ديناراً ،
وكان ثمن كل ما دخل في الوادي خمسة عشر ديناراً ...
فابتدأوا عمل ذلك في سنة سبع وستين ومائة ،
واشتروا الدور وهدموها ،
فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائذي ،
وجعلوا المسعى والوادي فيها ،
فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور ،
ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم ،
بباب أجياد الكبير بفم الحزامية ".
وقال الأزرقي (2/256)
:
" ومن حق آل عائذ : دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ في أصل جبل أبي قبيس ،
من دار القاضي محمد بن عبدالرحمن السفياني إلى دار ابن صيفي التي صارت ليحي بن خالد بن برمك ،
إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى .
وكان بابها عند المنارة ،
ومن عند بابها كان يسعى من أقبل من الصفا يريد المروة ،
فلما أن وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين ومائة ،
وأدخل الوادي في المسجد الحرام ،
أدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي
،
اشتريت منهم
،
وصيرت بطن الوادي اليوم
،
إلا ما لصق منها بالجبل جبل أبي قبيس " .
##@@[[]]@@##
ونستخلص
من النقول السابقة النتائج التالية
:
1- لم يكن المسعى قبل توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام شاملاً جميع المساحة بين الصفا والمروة عرضاً
،
إذ كانت البيوت تغطي جزءاً من الجزء الشرقي
حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
@ @
2-كانت توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام على حساب مساحة كبيرة من الأرض الصالحة للسعي
،
بل قد يفهم من كلام الأزرقي أن كامل أرض المسعى التي كان يسعى فيها-بين العلمين- قد دخلت في المسجد الحرام .
تأمل قوله
:
" وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم ،
عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي ، فيها علم المسعى ،
وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم".
والذي يفهم من هذا
:
أن جدار المسجد امتد إلى باب دار محمد بن عباد
،
ولا يمكن أن تكون التوسعة في هذا الجزء من المسعى فحسب
،
لأن ذلك يقتضي اعتراض جزء من المسجد للساعين ،
واضطرارهم إلى الالتفاف حوله .
ومما يؤكد أن التوسعة وقعت على امتداد المسعى
قول الأزرقي(2/71) عند حديثه عن زيادة المهدي الأولى
:
"
ودخلت أيضاً دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها ،
وكانت شارعة على المسعى يومئذ ، قبل أن يؤخر المسعى"
.
وهذه الدار مما يلي المسجد الحرام من جهة المروة
.
قال الأزرقي (2/239)
:
دار الأزرق دخلت في المسجد الحرام ،
كانت إلى جنب المسجد، جدرها وجدر المسجد واحد ،
وكان وجهها شارعاً على باب بني شيبة ...
وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، دار خيرة في ظهرها "
فهذه الدار كانت شارعة على المسعى قبل أن يؤخر المسعى .
ولا نستطيع الجزم بمقدار التأخير ، ومدى تفاوته من مكان لآخر .
3- لم ينقل عن أحد من العلماء- فيما اطلعت عليه-
الإنكار على المهدي ،
أو المطالبة بإعادة المسعى على ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
،
وهو إجماع منهم على صحة السعي إذا وقع بين الجبلين .
4- التغيير الذي حدث للمسعى بنقله أو جزء منه إلى الجهة الشرقية
استنفذ جميع المساحة المتبقية بين الجبلين
،
يدل على ذلك أنهم هدموا أكثر دار ابن عباد
– وهي بأصل جبل أبي قبيس –
إلا ما لصق منها بجبل أبي قبيس .
ومما يؤكد هذا الفهم أن العلماء
–مع تسليمهم بجواز السعي في المكان الجديد ، واعتباره موضعاً للسعي –
لم يجيزوا السعي وراءه .
قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/76)
:
" قال الشافعي والأصحاب
:
لا يجوز السعي في غير موضع السعي ،
فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه ،
لأن السعي مختص بمكان ،
فلا يجوز فعله في غيره كالطواف "
والظاهر أن المقصود بالمكان
:
ما بين الصفا والمروة .
فدل قوله
:
" فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين ...إلخ "
على أن ذلك المكان لا يقع بين الصفا والمروة .
وقد تتابع علماء الشافعية على ذلك ،
ولا يعرف لهم مخالف من المذاهب الأخرى .
5- ظهر معلم في الجهة الشرقية من المسعى ،
يحدد المكان الذي يبدأ منه السعي الشديد من أقبل من المروة إلى الصفا،
ولم أقف على من ذكره كعلامة على السعي الشديد قبل توسعة المهدي .
قال الأزرقي (2/222-223) :
" وللعباس بن عبد المطلب أيضاً الدار التي بين الصفا والمروة ،
التي بيد ولد موسى بن عيسى ، التي إلى جنب الدار التي بيد جعفر بن سليمان ،
ودار العباس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا".
قال الأزرقي(2/111)
:
" وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبدالمطلب ،
وبينهما عرض المسعى
:
خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف "
.
وبقي هذا المعلم إلى توسعة الملك سعود ،
ولذلك يذكره الفقهاء عند تحديد مكان السعي الشديد ، كما يذكره الذين يقيسون عرض المسعى .
ومما سبق يتأكد لنا أن المسعى بقي على حاله دون تضييق أو توسيع ، من بعد توسعة المهدي الثانية إلى توسعة الملك سعود .
[[]] [[]] [[]]
ثالثاً
:
الحد الشرقي للمسعى في التوسعة السعودية في عهد الملك سعود
مر معنا أن دار العباس بن عبد المطلب بقيت إلى التوسعة السعودية ،
وفي هذا يقول محمد طاهر الكردي في كتابه
" التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم" (2/77-78)
:
" دار العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ،
كانت بالمسعى بين باب علي وبين باب النبي ،
وهذه الدار أصبحت رباطاً يسكنه الفقراء من القرن العاشر الهجري .
ثم في عصرنا هذا في أواخر شهر جمادى الثانية سنة 1376هـ ست وسبعين وثلاثمائة وألف ،
هدمت هذه الدار لتوسعة المسجد الحرام والشوارع .
وكانت إلى هذه الدار ينتهي حد المسعى عرضاً من جهة الباب العباسي ،
أحد أبواب المسجد الحرام المقابل لهذه الدار ،
وهذا الباب كان واقعاً بين باب النبي وباب علي ،
وكان في هذه الدار من جهة المسعى أحد العلمين الأخضرين ،
اللذان وضعا علامة لانتهاء الهرولة في السعي لمن جاء من الصفا ،
فهدم هذا العلم تبعاً لهدم الدار ،
وإن شاء الله تعالى سيوضع علمان آخران في موضعهما تماماً للغرض المذكور ،
ولقد بني أمام هذه الدار مظلة المسعى ،
وهي مبنية بالإسمنت والحديد ،
ليستظل تحتها الساعي ، فلا يتأذى من الشمس " .
وبعد ذلك حصلت التوسعة المعروفة ،
وبني الجدار الشرقي ، فكان حداً للمسعى من الجهة الشرقية .
وإذا كان قد روعي في بناء الحد الشرقي للمسعى المعالم السابقة ،
فإن الذي يهمنا الآن علاقة ذلك بالحد الشرقي للصفا ،
وهو موضوع الفقرة التالية .
[[]] [[]] [[]] [[]]
رابعاً
:
الحد الشرقي للصفا
كان موضع الوقوف على الصفا غير مستوعب له عرضاً ،
وينتهي شرقاً بطرف العقود الثلاثة القديمة ،
وقد هدمت تلك العقود في شهر شوال عام 1377هـ
( انظر التاريخ القويم للكردي 5/123)،
ولذلك كان الساعي عندما ينزل من الصفا ،
يلاحظ اتساع مكان السعي شرقاً .
وقد كان ضيق مكان الوقوف سبباً في عمل مصعدين شرقي وغربي للصفا ،
وشكلت لجنة لبيان الحكم الشرعي في ذلك
(وتفصيل قرار اللجنة في فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم: 5/147-149) ،
وفيما يأتي المقصود منه
:
" في يوم الثلاثاء الموافق 10-2-1378هـ اجتمعت اللجنة المكونة من كل من الشيخ عبدالملك بن إبراهيم ،
والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، والسيد علوي مالكي ، والشيخ محمد الحركان ، والشيخ يحي أمان ، بحضور صالح قزاز وعبدالله بن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن ، للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا ،
ولمعرفة ما إذا كان في ذلك مخالفة للمصعد الشرعي القديم ،
وذلك بناء على الأمر السامي المبلغ للجنة من وزارة الداخلية برقم 1053 في 28- 1-78هـ ،
وجرى الوقوف أولاً على المصعدين المذكورين الذي جرى بناؤهما هناك من قبل مكتب مشروع توسعة المسجد الحرام .
وبعد الدراسة والمذاكرة فيما بين اللجنة ، اتضح أن المصعد الشرقي المواجه للمروة هو مصعد غير شرعي ، لأن الراقي عليه لا يستقبل القبلة كما هو السنة ، وإذا حصل الصعود من ناحيته ، فلا يتأتى بذلك استيعاب ما بين الصفا والمروة المطلوب شرعاً ، وبناء على ذلك فإن اللجنة رأت إزالة ذلك المصعد ، والاكتفاء بالمصعد الثاني المبنى في موضع المصعد القديم ، لأن الراقي عليه يستقبل القبلة كما هو السنة ،
كما أن المصعد والنزول من ناحيته يحصل به الاستيعاب المطلوب شرعاً . ونظراً لكون المصعد المذكور يحتاج إلى التوسعة بقدر الإمكان ، ليتهيأ الوقوف عليه من أكبر عدد ممكن من الساعين فيما بين الصفا والمروة ، وليخفف بذلك الضغط خصوصاً في أيام المواسم وكثرة الحجيج ، وبالنظر لكون الصفا شرعاً هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس ، ولكون الصخرات المذكورة لا تزال موجودة للآن ، وبادية للعيان ، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضاً ، فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعاً من توسيع المصعد المذكور بقدر عرض الصفا . وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة ، فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر متراً ، وعليه فلا مانع من توسعة المصعد المذكور في حدود العرض المذكور ،
على أن يكون المصعد متجهاً إلى ناحية الكعبة المشرفة ، فيحصل بذلك استقبال القبلة كما هو السنة ، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعاً".
ويلاحظ في قرار اللجنة تحفظها على إدخال الامتداد الشرقي للصفا-الذي يقع بعد نهاية العقود الثلاثة ،
كما هو واضح في الصور القديمة للصفا
– سواء في الوقوف عليه أو في بداية السعي منه .
–
–
( فائدة :
لعل الامتداد الشرقي للصفا الذي رآه الشيخ عبدالله بن جبرين عندما حج عام 1369هـ هو
هذا الذي نتحدث عنه قبل إضافته كما سيأتي).
ومع تكسير تلك الصخور في الجزء الشرقي من الصفا ،
وتهيئتها للوقوف عليها ،
فإنها لم تكن تستخدم ،
بل حجرت بأخشاب لمنع الساعين من الوقوف عليها إلى بداية عام 1380هـ
حيث صدرت فتوى هذا نصها
(فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن ابراهيم : 5/144-145) :
" من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبناء على أمركم الكريم ، المبلغ إلينا من الشيخ يوسف ياسين في العام الماضي ، حول تنبيه الابن عبدالعزيز على وضع الصفا ، ومراجعة ابن لادن لجلالتكم في ذلك ، وحيث قد وعدت جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا ، ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك ، وتقرر لدي ولدى المشايخ : الشيخ عبدالعزيز بن باز ، والشيخ علوي عباس مالكي ، والأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالعزيز بن رشيد : على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا ، ما عدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا ، فإننا لم نتحقق أنها من الصفا . أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا . ومن وقف عليه ، فقد وقف على الصفا كما هو مشاهد . ونرى أن ما كان مسامتاً للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الإسمنت، التي قد وضع فيها أصياخ الحديد، هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا . أما إذا نزل الساعي من الصفا فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة ، فإنه يشمله اسم المسعى ، لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة ، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة . هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من المشايخ : الأخ الشيخ عبدالملك ، والشيخ علوي مالكي ، والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا . وبالله التوفيق . (ص.م 403 في 3-1-1380هـ)".
ثم نفذ ذلك ، قال الشيخ عبدالملك بن دهيش في بحثه المنشور في مجلة الدعوة عدد 2137 وتاريخ 26/3/1429هـ : " اجتمعت اللجنة في عصر يوم السبت الموافق 24/4/1380هـ بموقع الصفا ، وقد اتخذوا قراراً استعرضوا في مقدمته ما جاء في خطاب سماحة المفتي الموجه للملك سعود والمذكور فيما سبق . وهذا نص ما خلصت إليه اللجنة : (فاعتماداً على ذلك حصل التطبيق لما قرره سماحة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المرفوع لصاحب الجلالة الملك المعظم برقم 503 في 30/1/1380هـ ، وبعد الإحاطة بما تضمنته المذكرة والقرار المذكور بخصوص موضوع الصفا ، جرى إزالة الحاجز الخشبي ، والتطبيق لما قرره سماحته ، والتحديد بالفعل بحضورنا جميعاً ، واتفاقنا على ذلك . وعلى هذا حصل التوقيع ) . ثم وقعوا بصفتهم الوظيفية ، وهم : (1) رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة (2) عضو رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية (3) مدرس بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح 0(4) الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز (5) المعلم القائم بأعمال عمارة المسجد الحرام المكي وعمارة المسعى ."
[][][]
كتب البحث بتاريخ 12/5/1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحد الشرقي للمسعى
من
عهد النبي صلى الله عليه وسلم
إلى
توسعة الملك سعود
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فقد صدرت كثير من الفتاوى الشرعية حول
حكم التوسعة الجديدة للمسعى ،
وحكم السعي في المسعى الجديد ،
وقد كان كثير من تلك الفتاوى – المؤيدة والمعارضة – يعتمد على تصور وضع المسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة الملك سعود – ضيقاً واتساعاً - ،
وامتداد الجبلين
:
الصفا والمروة من الجهة الشرقية
،
بعد التسليم بأن موضع السعي الشرعي هو ما كان بين الجبلين .
لذلك
فقد رأيت أن من المفيد تكوين تصور عن ذلك ،
يربط الماضي بالحاضر ،
ويعتمد على ما كتبه المؤرخون الذين رأوا المشاعر فوصفوا ما شاهدوا وصفاً دقيقاً ،
بل قاسوا كثيراً من الأطوال والمسافات .
وقد ظهر لي أنه لا توجد فجوات تاريخية ،
تجعلنا نبني تصورنا عن المسعى
على
احتمالات عقلية ، وتقديرات نظرية ،
فقد بذل المؤرخون في ذلك جهداً عظيماً ،
وقد سَلَّم لهم فقهاءُ الشريعة بذلك قديماً وحديثاً ،
واعتمدوا كلامهم ، وبنوا عليه أحكامهم .
ومن أقدم المراجع في ذلك
" أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار"
لأبي الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي ،
ثم
" أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه "
لأبي عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي.
ثم تتابع المؤرخون ،
ينقلون عمن سبقهم ، ويضيفون ما شاهدوه بأنفسهم .
وسأعتمد في بحثي هذا على كتاب الأزرقي ،
إلا أن أجد إضافة مهمة عند غيره.
[[]]
أولاً
:
الحد الشرقي للمسعى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ
#
قال البخاري في صحيحه (الفتح 3/501) :
" وقال ابن عمر رضي الله عنهما
:
السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين " .
قال ابن حجر (الفتح 3/502) :
" وصله الفاكهي من طريق ابن جريج
أخبرني نافع قال : نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى ، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار قرظة ...إلخ " .
قال ابن حجر
:
" وكأن المصنف بدأ بالموقوف عنه في الترجمة
لكونه مفسراً لحد السعي ،
والمراد به
شِدَّةُ المشي ،
وإن كان جميع ذلك يسمى سعياً "
.
وهذا النص مهم جداً
في تحديد الحدين الشرقي والغربي للمسعى ،
فقد كانت عليه معالم ظاهرة
وهي
:
#
1- دار بني عباد ،
ومنها يبدأ السعي الشديد للقادم من الصفا إلى المروة ،
وهي في الجزء الشرقي من المسعى .
وقد بقيت هذه الدار على حالها
إلى توسعة المهدي الثانية عام 167هـ كما سيأتي تفصيل ذلك .
# #
2- دار بني أبي حسين ودار بنت قرَظَة
،
وبينهما ينتهي السعي الشديد
،
وهما في الجهة الغربية من المسعى.
وقد هدمتا في توسعة المهدي الأولى عام 160 هـ
حيث
"اشترى
جميع ما كان بين المسعى والمسجد من الدور ،
فهدمها ،
ووضع المسجد على ما هو عليه اليوم شارعاً على المسعى"
كما نقل ذلك الأزرقي(2/71)
.
و
قال الأزرقي
- وهو يتحدث عن رباع بني نوفل بن عبد مناف-
-
(2/243)
:
" وكانت لهم أيضاَ دار دخلت في المسجد الحرام ،
يقال لها : دار بنت قرَظَة ".
وقال (2/243)
:
" ولهم دار ابن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل
دخلت في المسجد الحرام ".
وقد وصف الأزرقي بيوت مكة المحيطة بالمسجد الحرام من جميع جوانبه،
وما حصل لها من تغييرات إلى عهده ،
وصفاً دقيقا ، وكذلك الدور التي تقع شرق المسعى .
[[]] [[]]
ثانياً
:
الحد الشرقي للمسعى من بعد توسعة المهدي الثانية
عام 167هـ إلى توسعة الملك سعود
قال الأزرقي في " أخبار مكة " (2/ 75-77)
:
" قال جَدِّي :
لما بنى المهدي المسجد الحرام ، وزاد الزيادة الأولى ،
اتسع أعلاه وأسفله وشقه الذي يلي دار الندوة الشامي
،
وضاق شقه اليماني الذي يلي الوادي والصفا
، وكانت الكعبة في شق المسجد
،
وذلك أن الوادي كان داخلاً لاصقاً بالمسجد في بطن المسجد اليوم .
قال
:
وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه في موضع الوادي اليوم ،
إنما كان موضعه دور الناس ،
وإنما كان يسلك من المسجد إلى الصفا في بطن الوادي ،
ثم يسلك في زقاق ضيق حتى يخرج إلى الصفا من التفاف البيوت
فيما بين الوادي والصفا ،
وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم ،
وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم ،
عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي ،
فيها علم المسعى ،
وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم .
@@######@@
قال أبو الوليد
:
فلما حج المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة
،
ورأى الكعبة في شق من المسجد الحرام ،
كره ذلك ،
وأحب أن تكون متوسطة في المسجد ،
فدعا المهندسين ، فشاورهم في ذلك ، فقدروا ذلك ،
فإذا هو لا يستوي لهم من أجل الوادي والسيل ،
وقالوا
:
إن وادي مكة له أسيال عارمة ، وهو واد حَدور ، ونحن نخاف إن حولنا الوادي عن مكانه أن لا ينصرف لنا على ما نريد ، مع أن وراءه من الدور والمساكن ما تكثر فيه المؤونة ، ولعله أن لا يتم ،
فقال المهدي
:
لا بد لي من أن أوسعه ،
حتى أوسط الكعبة في المسجد على كل حال ،
ولو أنفقت فيه ما في بيوت الأموال
.
وعظمت في ذلك نيته
،
واشتدت رغبته ،
ولهج بعمله ، فكان من أكبر همه .
فقدروا ذلك ، وهو حاضر ،
ونصبت الرماح على الدور ، من أول موضع الوادي إلى آخره ، ثم ذرعوه من فوق الرماح حتى عرفوا ما يدخل في المسجد من ذلك ، وما يكون للوادي فيه منه ،
فلما نصبوا الرماح على جنبتي الوادي ، وعلم ما يدخل في المسجد من ذلك ، وزنوه مرة بعد مرة ، وقدروا ذلك
.
ثم خرج المهدي إلى العراق
وخلف الأموال ، فاشتروا من الناس دورهم ،
فكان ثمن كل ما دخل في المسجد من ذلك كل ذراع مكسر بخمسة وعشرين ديناراً ،
وكان ثمن كل ما دخل في الوادي خمسة عشر ديناراً ...
فابتدأوا عمل ذلك في سنة سبع وستين ومائة ،
واشتروا الدور وهدموها ،
فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائذي ،
وجعلوا المسعى والوادي فيها ،
فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور ،
ثم حرفوا الوادي في موضع الدور حتى لقوا به الوادي القديم ،
بباب أجياد الكبير بفم الحزامية ".
وقال الأزرقي (2/256)
:
" ومن حق آل عائذ : دار عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عائذ في أصل جبل أبي قبيس ،
من دار القاضي محمد بن عبدالرحمن السفياني إلى دار ابن صيفي التي صارت ليحي بن خالد بن برمك ،
إلى منارة المسجد الحرام الشارعة على المسعى .
وكان بابها عند المنارة ،
ومن عند بابها كان يسعى من أقبل من الصفا يريد المروة ،
فلما أن وسع المهدي المسجد الحرام في سنة سبع وستين ومائة ،
وأدخل الوادي في المسجد الحرام ،
أدخلت دار عباد بن جعفر هذه في الوادي
،
اشتريت منهم
،
وصيرت بطن الوادي اليوم
،
إلا ما لصق منها بالجبل جبل أبي قبيس " .
##@@[[]]@@##
ونستخلص
من النقول السابقة النتائج التالية
:
1- لم يكن المسعى قبل توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام شاملاً جميع المساحة بين الصفا والمروة عرضاً
،
إذ كانت البيوت تغطي جزءاً من الجزء الشرقي
حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
@ @
2-كانت توسعة المهدي الثانية للمسجد الحرام على حساب مساحة كبيرة من الأرض الصالحة للسعي
،
بل قد يفهم من كلام الأزرقي أن كامل أرض المسعى التي كان يسعى فيها-بين العلمين- قد دخلت في المسجد الحرام .
تأمل قوله
:
" وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم ،
عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي ، فيها علم المسعى ،
وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم".
والذي يفهم من هذا
:
أن جدار المسجد امتد إلى باب دار محمد بن عباد
،
ولا يمكن أن تكون التوسعة في هذا الجزء من المسعى فحسب
،
لأن ذلك يقتضي اعتراض جزء من المسجد للساعين ،
واضطرارهم إلى الالتفاف حوله .
ومما يؤكد أن التوسعة وقعت على امتداد المسعى
قول الأزرقي(2/71) عند حديثه عن زيادة المهدي الأولى
:
"
ودخلت أيضاً دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها ،
وكانت شارعة على المسعى يومئذ ، قبل أن يؤخر المسعى"
.
وهذه الدار مما يلي المسجد الحرام من جهة المروة
.
قال الأزرقي (2/239)
:
دار الأزرق دخلت في المسجد الحرام ،
كانت إلى جنب المسجد، جدرها وجدر المسجد واحد ،
وكان وجهها شارعاً على باب بني شيبة ...
وكانت على يسار من دخل المسجد بجنب دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، دار خيرة في ظهرها "
فهذه الدار كانت شارعة على المسعى قبل أن يؤخر المسعى .
ولا نستطيع الجزم بمقدار التأخير ، ومدى تفاوته من مكان لآخر .
3- لم ينقل عن أحد من العلماء- فيما اطلعت عليه-
الإنكار على المهدي ،
أو المطالبة بإعادة المسعى على ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
،
وهو إجماع منهم على صحة السعي إذا وقع بين الجبلين .
4- التغيير الذي حدث للمسعى بنقله أو جزء منه إلى الجهة الشرقية
استنفذ جميع المساحة المتبقية بين الجبلين
،
يدل على ذلك أنهم هدموا أكثر دار ابن عباد
– وهي بأصل جبل أبي قبيس –
إلا ما لصق منها بجبل أبي قبيس .
ومما يؤكد هذا الفهم أن العلماء
–مع تسليمهم بجواز السعي في المكان الجديد ، واعتباره موضعاً للسعي –
لم يجيزوا السعي وراءه .
قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/76)
:
" قال الشافعي والأصحاب
:
لا يجوز السعي في غير موضع السعي ،
فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه ،
لأن السعي مختص بمكان ،
فلا يجوز فعله في غيره كالطواف "
والظاهر أن المقصود بالمكان
:
ما بين الصفا والمروة .
فدل قوله
:
" فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين ...إلخ "
على أن ذلك المكان لا يقع بين الصفا والمروة .
وقد تتابع علماء الشافعية على ذلك ،
ولا يعرف لهم مخالف من المذاهب الأخرى .
5- ظهر معلم في الجهة الشرقية من المسعى ،
يحدد المكان الذي يبدأ منه السعي الشديد من أقبل من المروة إلى الصفا،
ولم أقف على من ذكره كعلامة على السعي الشديد قبل توسعة المهدي .
قال الأزرقي (2/222-223) :
" وللعباس بن عبد المطلب أيضاً الدار التي بين الصفا والمروة ،
التي بيد ولد موسى بن عيسى ، التي إلى جنب الدار التي بيد جعفر بن سليمان ،
ودار العباس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا".
قال الأزرقي(2/111)
:
" وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبدالمطلب ،
وبينهما عرض المسعى
:
خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف "
.
وبقي هذا المعلم إلى توسعة الملك سعود ،
ولذلك يذكره الفقهاء عند تحديد مكان السعي الشديد ، كما يذكره الذين يقيسون عرض المسعى .
ومما سبق يتأكد لنا أن المسعى بقي على حاله دون تضييق أو توسيع ، من بعد توسعة المهدي الثانية إلى توسعة الملك سعود .
[[]] [[]] [[]]
ثالثاً
:
الحد الشرقي للمسعى في التوسعة السعودية في عهد الملك سعود
مر معنا أن دار العباس بن عبد المطلب بقيت إلى التوسعة السعودية ،
وفي هذا يقول محمد طاهر الكردي في كتابه
" التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم" (2/77-78)
:
" دار العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ،
كانت بالمسعى بين باب علي وبين باب النبي ،
وهذه الدار أصبحت رباطاً يسكنه الفقراء من القرن العاشر الهجري .
ثم في عصرنا هذا في أواخر شهر جمادى الثانية سنة 1376هـ ست وسبعين وثلاثمائة وألف ،
هدمت هذه الدار لتوسعة المسجد الحرام والشوارع .
وكانت إلى هذه الدار ينتهي حد المسعى عرضاً من جهة الباب العباسي ،
أحد أبواب المسجد الحرام المقابل لهذه الدار ،
وهذا الباب كان واقعاً بين باب النبي وباب علي ،
وكان في هذه الدار من جهة المسعى أحد العلمين الأخضرين ،
اللذان وضعا علامة لانتهاء الهرولة في السعي لمن جاء من الصفا ،
فهدم هذا العلم تبعاً لهدم الدار ،
وإن شاء الله تعالى سيوضع علمان آخران في موضعهما تماماً للغرض المذكور ،
ولقد بني أمام هذه الدار مظلة المسعى ،
وهي مبنية بالإسمنت والحديد ،
ليستظل تحتها الساعي ، فلا يتأذى من الشمس " .
وبعد ذلك حصلت التوسعة المعروفة ،
وبني الجدار الشرقي ، فكان حداً للمسعى من الجهة الشرقية .
وإذا كان قد روعي في بناء الحد الشرقي للمسعى المعالم السابقة ،
فإن الذي يهمنا الآن علاقة ذلك بالحد الشرقي للصفا ،
وهو موضوع الفقرة التالية .
[[]] [[]] [[]] [[]]
رابعاً
:
الحد الشرقي للصفا
كان موضع الوقوف على الصفا غير مستوعب له عرضاً ،
وينتهي شرقاً بطرف العقود الثلاثة القديمة ،
وقد هدمت تلك العقود في شهر شوال عام 1377هـ
( انظر التاريخ القويم للكردي 5/123)،
ولذلك كان الساعي عندما ينزل من الصفا ،
يلاحظ اتساع مكان السعي شرقاً .
وقد كان ضيق مكان الوقوف سبباً في عمل مصعدين شرقي وغربي للصفا ،
وشكلت لجنة لبيان الحكم الشرعي في ذلك
(وتفصيل قرار اللجنة في فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم: 5/147-149) ،
وفيما يأتي المقصود منه
:
" في يوم الثلاثاء الموافق 10-2-1378هـ اجتمعت اللجنة المكونة من كل من الشيخ عبدالملك بن إبراهيم ،
والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، والسيد علوي مالكي ، والشيخ محمد الحركان ، والشيخ يحي أمان ، بحضور صالح قزاز وعبدالله بن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن ، للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا ،
ولمعرفة ما إذا كان في ذلك مخالفة للمصعد الشرعي القديم ،
وذلك بناء على الأمر السامي المبلغ للجنة من وزارة الداخلية برقم 1053 في 28- 1-78هـ ،
وجرى الوقوف أولاً على المصعدين المذكورين الذي جرى بناؤهما هناك من قبل مكتب مشروع توسعة المسجد الحرام .
وبعد الدراسة والمذاكرة فيما بين اللجنة ، اتضح أن المصعد الشرقي المواجه للمروة هو مصعد غير شرعي ، لأن الراقي عليه لا يستقبل القبلة كما هو السنة ، وإذا حصل الصعود من ناحيته ، فلا يتأتى بذلك استيعاب ما بين الصفا والمروة المطلوب شرعاً ، وبناء على ذلك فإن اللجنة رأت إزالة ذلك المصعد ، والاكتفاء بالمصعد الثاني المبنى في موضع المصعد القديم ، لأن الراقي عليه يستقبل القبلة كما هو السنة ،
كما أن المصعد والنزول من ناحيته يحصل به الاستيعاب المطلوب شرعاً . ونظراً لكون المصعد المذكور يحتاج إلى التوسعة بقدر الإمكان ، ليتهيأ الوقوف عليه من أكبر عدد ممكن من الساعين فيما بين الصفا والمروة ، وليخفف بذلك الضغط خصوصاً في أيام المواسم وكثرة الحجيج ، وبالنظر لكون الصفا شرعاً هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس ، ولكون الصخرات المذكورة لا تزال موجودة للآن ، وبادية للعيان ، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضاً ، فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعاً من توسيع المصعد المذكور بقدر عرض الصفا . وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة ، فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر متراً ، وعليه فلا مانع من توسعة المصعد المذكور في حدود العرض المذكور ،
على أن يكون المصعد متجهاً إلى ناحية الكعبة المشرفة ، فيحصل بذلك استقبال القبلة كما هو السنة ، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعاً".
ويلاحظ في قرار اللجنة تحفظها على إدخال الامتداد الشرقي للصفا-الذي يقع بعد نهاية العقود الثلاثة ،
كما هو واضح في الصور القديمة للصفا
– سواء في الوقوف عليه أو في بداية السعي منه .
–
–
( فائدة :
لعل الامتداد الشرقي للصفا الذي رآه الشيخ عبدالله بن جبرين عندما حج عام 1369هـ هو
هذا الذي نتحدث عنه قبل إضافته كما سيأتي).
ومع تكسير تلك الصخور في الجزء الشرقي من الصفا ،
وتهيئتها للوقوف عليها ،
فإنها لم تكن تستخدم ،
بل حجرت بأخشاب لمنع الساعين من الوقوف عليها إلى بداية عام 1380هـ
حيث صدرت فتوى هذا نصها
(فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن ابراهيم : 5/144-145) :
" من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فبناء على أمركم الكريم ، المبلغ إلينا من الشيخ يوسف ياسين في العام الماضي ، حول تنبيه الابن عبدالعزيز على وضع الصفا ، ومراجعة ابن لادن لجلالتكم في ذلك ، وحيث قد وعدت جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا ، ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك ، وتقرر لدي ولدى المشايخ : الشيخ عبدالعزيز بن باز ، والشيخ علوي عباس مالكي ، والأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالعزيز بن رشيد : على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا ، ما عدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا ، فإننا لم نتحقق أنها من الصفا . أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا . ومن وقف عليه ، فقد وقف على الصفا كما هو مشاهد . ونرى أن ما كان مسامتاً للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الإسمنت، التي قد وضع فيها أصياخ الحديد، هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا . أما إذا نزل الساعي من الصفا فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة ، فإنه يشمله اسم المسعى ، لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة ، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة . هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من المشايخ : الأخ الشيخ عبدالملك ، والشيخ علوي مالكي ، والشيخ عبدالله بن جاسر ، والشيخ عبدالله بن دهيش ، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا . وبالله التوفيق . (ص.م 403 في 3-1-1380هـ)".
ثم نفذ ذلك ، قال الشيخ عبدالملك بن دهيش في بحثه المنشور في مجلة الدعوة عدد 2137 وتاريخ 26/3/1429هـ : " اجتمعت اللجنة في عصر يوم السبت الموافق 24/4/1380هـ بموقع الصفا ، وقد اتخذوا قراراً استعرضوا في مقدمته ما جاء في خطاب سماحة المفتي الموجه للملك سعود والمذكور فيما سبق . وهذا نص ما خلصت إليه اللجنة : (فاعتماداً على ذلك حصل التطبيق لما قرره سماحة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المرفوع لصاحب الجلالة الملك المعظم برقم 503 في 30/1/1380هـ ، وبعد الإحاطة بما تضمنته المذكرة والقرار المذكور بخصوص موضوع الصفا ، جرى إزالة الحاجز الخشبي ، والتطبيق لما قرره سماحته ، والتحديد بالفعل بحضورنا جميعاً ، واتفاقنا على ذلك . وعلى هذا حصل التوقيع ) . ثم وقعوا بصفتهم الوظيفية ، وهم : (1) رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة (2) عضو رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية (3) مدرس بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح 0(4) الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز (5) المعلم القائم بأعمال عمارة المسجد الحرام المكي وعمارة المسعى ."
[][][]
ويتبين لنا من النقول السابقة ما يأتي
:
1-
1-
أضيف إلى موضع الوقوف من الصفا، ونقطة البداية منه جزء لم يكن يستخدم في القرون السابقة .
2-
بلغت التوسعة إلى نهاية الحد الشرقي للصفا ، ولم يستبعد المشايخ شيئاً يجزمون أنه من الصفا .
3-
اعتمد المشايخ على الرؤية البصرية ، قبل أن تزال المعالم .
4-
4-
كان آخر الأمرين الأخذ بالمذهب الواسع في توسعة مكان الوقوف من الصفا والبداية منه ، وتحديد المسعى بقولهم:" لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة " .
5-
العناية الفائقة من المشايخ بضبط حدود المشاعر علمياً ، ثم تطبيق ذلك عملياً.
وفي الختام : أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقول من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق